طالب غلوم طالب -كاتب ومستشاري إداري

الإدارة الاستثنائية ودورها في عملية الإبداع

الإدارةُ  ليست نتاجًا  للتنمية الاجتماعية والاقتصادية ، ولكنها هي التي تُحدث هذه التنمية من خلال توظيف واستغلال  وتسخير وتطويع  واستثمار الموارد  البشرية وتفعيل كافة عناصر الإبداع والابتكار والمبادرة لدى الموارد البشرية،وحملها على استخراج أفضل ما لديها من طاقات خلاّقة مبدعة ، كل هذا يتم من خلال إدارة واعية  مستشرفة ومحوكمة تقومُ على أسسٍ عِلمية سليمة .

وقد أحدثت التطوراتُ التقنيةُ تغيُّرات كثيرة في تشكيل الإدارة وأنماطها ، وأصبح لزامًا على القيادة الإدارية الناجحة  أن تُواجه باستمرار تحديات التنظيم البشري والعلاقات الإنسانية وتعقيداتها ، وتزايد الواجبات والمسئوليات عليها ما كلفها وقتًا  إضافيًا في أداء بعض المهام على حساب أعمال أخرى لا تقل أهمية عن بعضها  ، لذلك كان لابد للمدير  بل القائد الإداري  أن يعمل على استثناء بعض سلطاته وصلاحياته – بصورة أدق-  للمرؤوسين معه لكي يستطيع أن ينجز مهامه الكبيرة  بشكل أفضل ومنها : أهداف المنظمة الاستراتجية.

وقد انبثقت فكرة الإدارة بالاستثناء من هذه الحقيقة العلمية حيث تركز الفكرة على كيفية استخدام أوقات المديرين والقادة الإداريين  استخداماً كفؤاً وفعّالاً  ، مما يوجههم ليركزوا جهودهم على الأعمال والأنشطة الرئيسة التي تحقق الأهداف الموضوعة بأنواعها.

والإدارة بالاستثناء تعدُّ صورةً من صُور تفويض السلطة التي يستخدمها المديرون والقادة الإداريون في تسيير الأعمال الإدارية في الوحدات  الإدارية المختلفة التي يشرفون عليها دون تدخُّل مباشر منهم حيث يضعون إطارًا عامًا  للعمل يستطيع المرؤوسون أن يتحركوا ضمنه  ، ولا يتدخل القائد الإداري إلا إذا حدثت انحرافات جوهرية وحالات استثنائية تخرج عن الإطار المحدّد والمنصوص والمقرّر للعمل ،  أي أن القائد  الإداري  يتدخل فقط عند حدوث انحراف للأداء الفعلي عن المسار المرسوم لذا يتفرغ هو  للأعمال المهمة والمسئوليات الرئيسية والكبيرة.

إن الإدارة بالاستثناء تُقلل من كمية النتائج التي ينبغي على الإدارة مراجعتها ، وبالتالي تكسب الإدارة وقتاً إضافياً لاستغلاله في أشياء أخرى ،  كما أن هذا النوع من الإدارة يُعطي للموظفين فرصة لاتباع أساليب القائد الإداري الخاصة لتحقيق الأهداف المطلوبة  ، ومن ثم تُفعّل لديهم روح المبادرة والإبداع وابتكار وتوليد الأفكار ؛ ولكن يحقّ للإدارة أن تتدخل في الظروف الاستثنائية فقط وبالتالي فإنها تختلف عن تفويض السلطة  وفيها  يعهدُ القائدُ الإداريُّ ببعض اختصاصاته التي استمدها من القانون لأحد الموظفين من المستويات الإدارية المتتالية ،  وينبني على ذلك أن يكون لمن فُوّض إليه الاختصاص أن يصدر قرارات فيما فُوّض إليه دون الرجوع للقائد الذي فَوّضه بذلك .

ولكي ينجح أسلوب الإدارة بالاستثناء لابد من وجود بيئة عمل جيدة ومناسبة ،  ويُقصد بالبيئة مجموعة من الأنظمة الفرعية  ذات التأثير المباشر على أسلوب الإدارة بالاستثناء  ، وهي التنظيم والتخطيط والاتصالات والتقارير والحوافز في المنظمة .

ومما سبق نجد أن الإدارة بالاستثناء من الأساليب الإدارية الحديثة التي تتميز ببساطتها وإمكانية تطبيقها في مختلف المنظمات سواء القطاع الحكومي أو القطاع الخاص أو غير ذلك ، حيث إن أسلوب الإدارة بالاسثناء يتميز بإمكانية ضغط المعلومات على مُتخذيّ القرار  ، ويتركز الاهتمام على المعلومات ذات القيمة العالية  ، وبالتالي تركز جهودها على انحرافات الأداء غير العادي.

فالإدارة بالاستثناء تقوم على أساس التفاهم بين الرئيس والمرؤوس حول تنفيذ العمل ، ومحور هذا التفاهم يعتمد على أنه طالما أن العمل يسير وفق ما هو مخطط ومرسوم له فلا داعي للمرؤوسين أن يقوموا  بإبلاغ رئيسهم بذلك  ، حيث يقتصر إعلامه الرئيسي على الأمور الاستثنائية التي تعبر عن المعايير المحددة وفق ما هو  مرسوم ومخطط .

هذا التفاهم الايجابي  بين القائد الإداري والموظفين يبعث الثقة في أنفسهم وفي مهاراتهم ، وهذا يدعم لديهم القدرة على التمييز بين الحالات العادية التي لا يحتاجون فيها إلى القيادة الإدارية ويعتمدون على أفكارهم في تنفيذ الأهداف وتوسيع القدرات والمعرفة الوظيفية وتنمية مهاراتهم في صناعة القرار ، كما أن الإدارة بالاستثناء تهتم بالقياس الكمي لأداء كل مركز وظيفي .

وبذلك يتحقق المعيار الموضوعي في قياس الأداء ويؤدي إلى عدم التحيُّز في التقييم ، وهذا بدوره يعكس خبرة القادة الإداريين  ويجعلهم أكثر ثباتاً وموضوعية وحوكمةً  في اتخاذ القرارات  الإدارية الرصينة.

كما أن الإدارة بالاستثناء تُساهم في تحفيز الموظفين وتعزيز فرص التنافس بينهم ما يجعلهم أكثراً تنافساً في الحصول على الحوافز مقابل إنجاز وإتقان العمل وتجويده ، وهذا يعدُّ أول الطُّرق للإبداع حيث يسعى كل موظف إلى أنهاء مهامه الوظيفية بأسرع وقت ، وبالتالي يبدأون مسيرة الإبداع في التفكير و كيفية إنهاء المهام بصورةٍ أكثر سهولة وأسرع ، وهذا يعتبر مكسبًا للمنظمة لأنها حققت أهدافها التنظيمية العُليا  كما أن الإدارة بالاستثناء تستخدم الطاقات البشرية استخدامًا  أمثل حيث يقوم الأشخاص الأكثر  ذكاءً وقدرةً بالأعمال الصعبة في حين أن الأعمال الأقل صعوبة يتولاّها أشخاص أقل في الذكاء والقدرة  ، كما أنها تُشجّع على الاستخدام الأمثل للإحصاءات والبيانات التاريخية والواقعية الحالية ، وهذا يسهم في اتخاذ قرارات رشيدة  تؤدي لاحقا إلى التفرد والريادة المؤسسية جراء استدامة النتائج المؤسسية المتميزة في المنظمة وقياسها آثارها على مستوى المنظمة وخارجها.

طالب غلوم طالب

كاتب ومستشاري إداري